مقالات واراء

نظرية المؤامرة

احجز مساحتك الاعلانية

كتب : إسلام ممدوح البيلي

نحن نتغافل عن هشاشة مجتمعنا الذي يقبع على مشارف الانهيار , هناك بالتحديد على جرف التراشق بالاتهامات أو كما اسميناه نحن : بجرف نظرية المؤامرة – كوننا احتللناه و أطلنا الجلوس ببابه ؛ فجاز لنا أن نسميه و نكنيه – أي الجرف.
هذا الجرف الذي يقود إلى القاع المظلم ؛ اخترناه باباً لجأنا له , و بعد أن أغمضنا أعيننا عن كل انتكاساتنا , دون السعي للتعافي من أصل هون فينا . و نعاني ما نعانيه من مثيرات الشفقة ؛ غير أننا و بطبيعة تكويننا نرفض الشفقة و مشتقاتها ؛ فنسير نحو جرفنا المعهود و نلجأ لنظرية المؤامرة ؛ دون الاعتراف بالمشاركة في أصل المشكلة أو البحث عن حلول تجزّ العلل و انتكاساتها .
ضعف اقتصادي بالغ , هشاشة اجتماعية مفرطة , تردي الوضع المعيشي , تهور حال العملة القومية , تقلص الثقة الشعبية بل و زد على كل ذلك عزل للعقول المستنيرة . ذاك هو حالنا المزري الذي نرجعه دوماً و أبداً لمؤامرة كونية تحاك ضد بلدنا العتيق من الشرق و الغرب . ناسيين – او متناسين إن صح التعبير- أنها ايدينا تلك التي تعبث بواقعنا و مستقبلنا .
مجتمعنا الهش الذي يتقدم البعض لترميم بعض ظاهرٍ منه – بما يخدم منحدر صعوده الاجتماعيّ لا غير – دونما التفاتةٍ إلى علل الباطن المستوطنة في النسيج المجتمعي و أركانه ؛ هو ذات المجتمع الذي أمرضه المتاجرون بشرف النوايا التي تسكن ثنيات الصدور حول طبيعة استغلال عبارات الوطنية و الانتماء . وهو ايضاً ذات الوطن العليل – بأبنائه لا أعدائه – الذين ينهبون ثرواته و يتربعون على عرش الاقتصاد المحلي المثقفل بالديون و المتنقل بين مراحل الكوارث الاقتصادية المختلفة ؛ و المعرضون عن اشقاء الوطن و قيم المواطنة . فضلاً عن كونه مجتمعاً مفرغاً من القيم و الحقوق , محملاً بالواجبات ؛ بل و أكثر.
ولكن الناظر المتمعن في نسيج هذا المجتمع الهين ؛ سيجده في حلكة الظلام الدي صورناه سابقاً بعض حزمٍ من نورٍ , نحسبها ستملؤ الكون ضيائاً حين تميل الامور للاعتدال , تتلخص في اصرار الشباب على انتزاع مستقبل مشرق من قبضة سلطة دامت قمعيتها و جهالتها لعقود طويلة.
اعتدال الامور ذاك انما يتطلب غلبةً لمفاهيم الحق في ربوع الوطن و تقهقراً لنقيضها . فالمنصت لنبض الشارع اليوم سيطربه طنين الأمور و أضدادها في ذات الان و الاوان . فشعارات أنصار القضية و صمت المتخاذلين عنها , أنين المظلومين طويلاً وصدى ضحكات ظالميهم , هتافات المتظاهرين المطالبين بحقوقهم و دويّ طلقات حماة المغتصبين , انصار الحق الضعيف و الموالون لقوة الباطل ؛ كل ذلك يشكل خلفية المشهد في الشارع المصري اليوم .

توهم أسلافنا طويلا ان نطاق الحرية لا يستوعبنا جميعاً , و أنه لا بد من خائن وسط الجماعة , و أن الله لم يخلق طريقاً غير الذي نسلكه من الصواب , و بين عقد و آخر ؛ تنطلق صيحات من يسعون لتصحيح المفاهين و الطريق بالتبعية , غير انها دائماً ما كانت تقابل ليس فقط بالرفض بل بالغاز المسيل للدموع و هراوات المنتسبين الى حُماة الحكومة من أبناء الشعب . و لكن إن افترضنا وجود وقت لابد فيه من سماع ما قد يقوله أولئك المصلحون ؛ فإنه الآن . فكفوا ايديكم و كفوا بطشكم و أزيلوا صمم مسامعكم و أنصتوا يرحمكم الله .. يتبع !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى